رسالة من القلــب.. للباحثين عن الطريــق~
20th يونيو 2013, 5:12 am
كثير من الشباب يسلك طريق الهداية ثم يعود أدراجه من جديد، أليس كذلك؟
كثير من الشباب يأخذ خطوات إصلاحية في حياته، ثم يتراجع خطوات كثيرة إلى الوراء "للأسف الشديد".
وكثير من الشباب يريد أن يبدأ حياة جديدة ملؤها الطاعة والإيمان لكنه يجد الكثير من المثبطات والمعوقات في طريقه.
إذا كان كل ما سبق صحيحًا؛ فنحن في حاجة إلى معرفة حقيقية بطبيعة التحول الذي يخوضه كثير من الشباب تجاه الحياة الجديدة؛ حياة الإيمان والطاعة، ونحن في حاجة أيضًا لبيان أبرز العوائق التي تحول دون هذا التحول لنكون جميعًا على دراية بها، ونتقن فن التغيير إلى الأفضل إلى ما يرضي ربنا سبحانه، حتى نضيف إلى شبابنا رصيدًا متجددًا من الطاعة تحلو بيه حياتنا ويزهر به شبابنا.
أيها الشباب، عندما نأخذ قرارًا شجاعًا بترك حياة نعتقد أن الكدر كان يشوبها لما تحمله من أخطاء ومنكرات لا يرضى عنها ربنا سبحانه.. وحينما نأخذ ذات القرار الشجاع لأننا لم نجد في تلك الحياة السعادة الحقيقية التي يبحث عنها كل شاب وكل فتاة.. حينما نأخذ هذا القرار ين*** أن نعلم...
أولًا: أن علينا مهمة التخلص من رواسب الماضي حتى نقبل على حياة جديدة يعلوها الصفاء والنقاء.
ثانيًا: أن طبيعة التغيير من حال إلى حال ومن وضع أعتاده الشخص إلى وضع آخر يحمل بعض الصعوبة لاشك، لكنه يهون مقابل الجزاء والثمن.
ثالثًا: أن علينا أن ندرك تمامًا المنحيات التي قد تعترض طريق حياتنا الجديدة؛ حتى نكون على حذر، ولا تتسبب هذه المنحنيات في عرقلة مسيرتنا إلى الحياة الطيبة الوضيئة التي وصفها رب العالمين بقولة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
رابعًا: أن هذه الحياة الجديدة، حياة الطاعة والإيمان ين*** على الشاب إذا أراد أن يتذوق حلاوتها أن يدخل فيها بكليته وأن يعرض نفسه عليها بما يحمله من أفكار وسلوكيات ومشاعر وتصورات، ويستمع إلى كلمتها الواعية الشافية؛ فتهذب ما تحتاج إلى تهذيب وتصلح ما يحتاج إلى إصلاح وتقر الحسن الصواب.
وهكذا يشير القرآن إلى كل من بدأ هذه الرحلة الجديدة من حياة الإيمان أن يدخل بكليته لا يأخذ جزءًا ويترك جزءًا، قال رب العالمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].
رواسب الماضي:
بعد هذه المقدمة المهمة، ننتقل سريعًا إلى المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم لنرى كيف كان عليه الصلاة والسلام يربي أصحابه على ضرورة التخلص من رواسب الماضي واستقبال حياة الإيمان بالنقاء والصفاء، فقد جاء في صحيح البخاري: (أن أبا ذر وبلالًا الحبشي رضي الله عنهما تغاضبا وتسابا، وفي ثورة الغضب قال أبو ذر لبلال: يا ابن السوداء، فشكاه بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية) [متفق عليه].
لقد أدب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل أبا ذر رضي الله عنه، وعلمه كيف يكون التخلص من رواسب الماضي، لقد رباه على أن المسلم يهجر مع إسلامه وإيمانه كل ما نهى الله عنه، لقد رباهم صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقال لهم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) [رواه البخاري].
فلنجعل شعارنا مع استقبال هذه الحياة الإيمانية الهانئة ذلك الشعار الذي رفعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ليربي الصحابة على التخلص التام من كل ما له صلة بالماضي من آفات وذنوب وأخلاق فاسدة، فقال: (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) [رواه مسلم].
فقل لنفسك الآن:
كل ذنب كنت أفعله قبل اليوم تحت قدمي موضوع.
كل خلق سيئ كنت أتخلق به قبل اليوم تحت قدمي موضوع.
كل عادة خبيثة كنت أعتاد فعلها قبل هذا اليوم تحت قدمي موضوعة.
كل شيء كان يبعدني عن الله تعالى وعن طريقه ورضاه هو من الآن تحت قدمي موضوع.
بل إن كل الحياة الماضية التي عشتها في ضلال وزيع وبعد تحت قدمي موضوعة.
حياة جديدة:
وبعد هذه المعاهدة مع الله عز وجل، ين*** أن يتيقظ الشاب إلى أن حياته لاشك ستتغير كثيرًا، وأن هذه المعاهدة ـ إن كانت جادة ـ فإنها ستنقله نقلة بعيدة، نقلة تنتقل معها الأفكار والتصورات والمشاعر والأخلاق والسلوكيات إلى حيث يحب الله عز وجل ويرضى.
(فإنما تُبْنَى حقيقة الإسلام على الاستسلام التام لمنهج الله تعالى؛ فلا يجوز أن يؤمن المسلم الذي يسلك حياة النور ببعض الكتاب ويكفر ببعض، أو أن يدخل إلى حياته الجديدة ومعه رواسب من دنس ماضي الغفلات، يُكَدِّر بهاء وصفاء ذلك النور الطاهر، الذي أكرمه الله تبارك وتعالى به من بعد طول التطواف في ظلمات الشقاء، بل يتعين عليه إذ سلك هذا الطريق أن يجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين) [حياة النور، فريد مناع، 87].
وربما يتعجب البعض من الأصدقاء والأخلاء القدامى هذه النقلة، بل وينكرونها ويحاولون بكل قوة عدم اكتمالها طلبًا لصديقهم القديم بأخلاقه القديمة وعاداته القديمة وأخطائه القديمة، وهنا يبرز الاختبار الأول لك أيها الشاب، فلتعلم...
فلتعلم أخي الحبيب أن الحياة إنما هي مجموعة من الاختبارات وهذه الاختبارات تتطلب منك قرارات، فكلما كانت هذه القرارات ترضي الله عز وجل كلما كانت حياتك أسعد لاشك، حتى وإن رأيت في قراراتك تلك تفويتًا لبعض اللذات لأن قاعدة التعامل مع الله عز وجل: (من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه).
اختبار الحياة الجديدة:
هو اختبار إيماني بامتياز، حيث يتبين من خلاله من أراد هذه الحياة بصدق، إذ إن هذه الحياة بها بعض الاختبارات التي على أساسها يوضع العبد في مقامه عند ربه سبحانه تعالى، فليس كل من أنعم الله عليه بهذه الحياة الجديدة في المنزلة سواء، ولكن اختبارات الإيمان تفاضل بينهم، قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].
إنه الابتلاء الذي يختبر الله سبحانه به إيمانك وثباتك وصدقك في ولوج هذا الطريق الجديد، إنها تكاليف الدين وأعباؤه، التي لابد لك أن تتحملها، لأن هذا الدين (حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال).
فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، وهم لا يُتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به، وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب، هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت، وسنة جارية، في ميزان الله سبحانه؛ {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3]) [في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/450)].
وقد يكون هذا الابتلاء في ابتعاد بعض الناس عنك، أو زجر بعض الناس لك اعتراضًا على هذه الحياة النظيفة، وقد يكون الابتلاء في عدم قبول عمل به شبهة مع أن راتبه مجزي..
فهل ستستسلم وتقبل هذه الفتن؟! أم أنك سترفضها وتبتعد عنها بقوة وتعتصم بالله، وأنت واثق أن ما عنده خير وأبقى؟! وأنه سبحانه المعطي والمانع.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه).
وهذا يا صاحبي اختبار الإيمان، اختبار الحياة الجديدة حياة السعادة والطهر والنقاء، فإما أن تنجح وتظفر بسعادة الدارين، وإما أن ترسب وحينها لا يلوم المرء إلا نفسه.
خطوات على الطريق:
أحضر ورقة كي تحصي فيها رواسب الماضي التي تريد التخلص منها، وقسمها كما يلي:
ذنوب تريد التخلص منها.
سلوكيات تريد التخلص منها.
ثم توكل على الله واعقد العزم على ترك كل ذلك ابتغاء مرضات الله... وابدأ حياتك الجديدة بطاعة الله جل في علاه.
وما أجمل أن نختم بدرَّة من درر الإمام ابن القيم رحمه الله حيث يبعث إليك برسالة فيقول: (أول منازل العبودية اليقظة وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أشد إعانتها على السلوك! فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح، وإلا فهو في سكرات الغفلة فإذا انتبه شمر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى، وأوطانه التي سبي منها.
المصادر:
- في ظلال القرآن، سيد قطب.
- حياة النور، فريد مناع.
- مدارج السالكين، ابن القيم.
كثير من الشباب يأخذ خطوات إصلاحية في حياته، ثم يتراجع خطوات كثيرة إلى الوراء "للأسف الشديد".
وكثير من الشباب يريد أن يبدأ حياة جديدة ملؤها الطاعة والإيمان لكنه يجد الكثير من المثبطات والمعوقات في طريقه.
إذا كان كل ما سبق صحيحًا؛ فنحن في حاجة إلى معرفة حقيقية بطبيعة التحول الذي يخوضه كثير من الشباب تجاه الحياة الجديدة؛ حياة الإيمان والطاعة، ونحن في حاجة أيضًا لبيان أبرز العوائق التي تحول دون هذا التحول لنكون جميعًا على دراية بها، ونتقن فن التغيير إلى الأفضل إلى ما يرضي ربنا سبحانه، حتى نضيف إلى شبابنا رصيدًا متجددًا من الطاعة تحلو بيه حياتنا ويزهر به شبابنا.
أيها الشباب، عندما نأخذ قرارًا شجاعًا بترك حياة نعتقد أن الكدر كان يشوبها لما تحمله من أخطاء ومنكرات لا يرضى عنها ربنا سبحانه.. وحينما نأخذ ذات القرار الشجاع لأننا لم نجد في تلك الحياة السعادة الحقيقية التي يبحث عنها كل شاب وكل فتاة.. حينما نأخذ هذا القرار ين*** أن نعلم...
أولًا: أن علينا مهمة التخلص من رواسب الماضي حتى نقبل على حياة جديدة يعلوها الصفاء والنقاء.
ثانيًا: أن طبيعة التغيير من حال إلى حال ومن وضع أعتاده الشخص إلى وضع آخر يحمل بعض الصعوبة لاشك، لكنه يهون مقابل الجزاء والثمن.
ثالثًا: أن علينا أن ندرك تمامًا المنحيات التي قد تعترض طريق حياتنا الجديدة؛ حتى نكون على حذر، ولا تتسبب هذه المنحنيات في عرقلة مسيرتنا إلى الحياة الطيبة الوضيئة التي وصفها رب العالمين بقولة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
رابعًا: أن هذه الحياة الجديدة، حياة الطاعة والإيمان ين*** على الشاب إذا أراد أن يتذوق حلاوتها أن يدخل فيها بكليته وأن يعرض نفسه عليها بما يحمله من أفكار وسلوكيات ومشاعر وتصورات، ويستمع إلى كلمتها الواعية الشافية؛ فتهذب ما تحتاج إلى تهذيب وتصلح ما يحتاج إلى إصلاح وتقر الحسن الصواب.
وهكذا يشير القرآن إلى كل من بدأ هذه الرحلة الجديدة من حياة الإيمان أن يدخل بكليته لا يأخذ جزءًا ويترك جزءًا، قال رب العالمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].
رواسب الماضي:
بعد هذه المقدمة المهمة، ننتقل سريعًا إلى المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم لنرى كيف كان عليه الصلاة والسلام يربي أصحابه على ضرورة التخلص من رواسب الماضي واستقبال حياة الإيمان بالنقاء والصفاء، فقد جاء في صحيح البخاري: (أن أبا ذر وبلالًا الحبشي رضي الله عنهما تغاضبا وتسابا، وفي ثورة الغضب قال أبو ذر لبلال: يا ابن السوداء، فشكاه بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية) [متفق عليه].
لقد أدب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل أبا ذر رضي الله عنه، وعلمه كيف يكون التخلص من رواسب الماضي، لقد رباه على أن المسلم يهجر مع إسلامه وإيمانه كل ما نهى الله عنه، لقد رباهم صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقال لهم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) [رواه البخاري].
فلنجعل شعارنا مع استقبال هذه الحياة الإيمانية الهانئة ذلك الشعار الذي رفعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ليربي الصحابة على التخلص التام من كل ما له صلة بالماضي من آفات وذنوب وأخلاق فاسدة، فقال: (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) [رواه مسلم].
فقل لنفسك الآن:
كل ذنب كنت أفعله قبل اليوم تحت قدمي موضوع.
كل خلق سيئ كنت أتخلق به قبل اليوم تحت قدمي موضوع.
كل عادة خبيثة كنت أعتاد فعلها قبل هذا اليوم تحت قدمي موضوعة.
كل شيء كان يبعدني عن الله تعالى وعن طريقه ورضاه هو من الآن تحت قدمي موضوع.
بل إن كل الحياة الماضية التي عشتها في ضلال وزيع وبعد تحت قدمي موضوعة.
حياة جديدة:
وبعد هذه المعاهدة مع الله عز وجل، ين*** أن يتيقظ الشاب إلى أن حياته لاشك ستتغير كثيرًا، وأن هذه المعاهدة ـ إن كانت جادة ـ فإنها ستنقله نقلة بعيدة، نقلة تنتقل معها الأفكار والتصورات والمشاعر والأخلاق والسلوكيات إلى حيث يحب الله عز وجل ويرضى.
(فإنما تُبْنَى حقيقة الإسلام على الاستسلام التام لمنهج الله تعالى؛ فلا يجوز أن يؤمن المسلم الذي يسلك حياة النور ببعض الكتاب ويكفر ببعض، أو أن يدخل إلى حياته الجديدة ومعه رواسب من دنس ماضي الغفلات، يُكَدِّر بهاء وصفاء ذلك النور الطاهر، الذي أكرمه الله تبارك وتعالى به من بعد طول التطواف في ظلمات الشقاء، بل يتعين عليه إذ سلك هذا الطريق أن يجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين) [حياة النور، فريد مناع، 87].
وربما يتعجب البعض من الأصدقاء والأخلاء القدامى هذه النقلة، بل وينكرونها ويحاولون بكل قوة عدم اكتمالها طلبًا لصديقهم القديم بأخلاقه القديمة وعاداته القديمة وأخطائه القديمة، وهنا يبرز الاختبار الأول لك أيها الشاب، فلتعلم...
فلتعلم أخي الحبيب أن الحياة إنما هي مجموعة من الاختبارات وهذه الاختبارات تتطلب منك قرارات، فكلما كانت هذه القرارات ترضي الله عز وجل كلما كانت حياتك أسعد لاشك، حتى وإن رأيت في قراراتك تلك تفويتًا لبعض اللذات لأن قاعدة التعامل مع الله عز وجل: (من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه).
اختبار الحياة الجديدة:
هو اختبار إيماني بامتياز، حيث يتبين من خلاله من أراد هذه الحياة بصدق، إذ إن هذه الحياة بها بعض الاختبارات التي على أساسها يوضع العبد في مقامه عند ربه سبحانه تعالى، فليس كل من أنعم الله عليه بهذه الحياة الجديدة في المنزلة سواء، ولكن اختبارات الإيمان تفاضل بينهم، قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3].
إنه الابتلاء الذي يختبر الله سبحانه به إيمانك وثباتك وصدقك في ولوج هذا الطريق الجديد، إنها تكاليف الدين وأعباؤه، التي لابد لك أن تتحملها، لأن هذا الدين (حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال).
فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، وهم لا يُتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به، وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب، هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت، وسنة جارية، في ميزان الله سبحانه؛ {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3]) [في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/450)].
وقد يكون هذا الابتلاء في ابتعاد بعض الناس عنك، أو زجر بعض الناس لك اعتراضًا على هذه الحياة النظيفة، وقد يكون الابتلاء في عدم قبول عمل به شبهة مع أن راتبه مجزي..
فهل ستستسلم وتقبل هذه الفتن؟! أم أنك سترفضها وتبتعد عنها بقوة وتعتصم بالله، وأنت واثق أن ما عنده خير وأبقى؟! وأنه سبحانه المعطي والمانع.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه).
وهذا يا صاحبي اختبار الإيمان، اختبار الحياة الجديدة حياة السعادة والطهر والنقاء، فإما أن تنجح وتظفر بسعادة الدارين، وإما أن ترسب وحينها لا يلوم المرء إلا نفسه.
خطوات على الطريق:
أحضر ورقة كي تحصي فيها رواسب الماضي التي تريد التخلص منها، وقسمها كما يلي:
ذنوب تريد التخلص منها.
سلوكيات تريد التخلص منها.
ثم توكل على الله واعقد العزم على ترك كل ذلك ابتغاء مرضات الله... وابدأ حياتك الجديدة بطاعة الله جل في علاه.
وما أجمل أن نختم بدرَّة من درر الإمام ابن القيم رحمه الله حيث يبعث إليك برسالة فيقول: (أول منازل العبودية اليقظة وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أشد إعانتها على السلوك! فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح، وإلا فهو في سكرات الغفلة فإذا انتبه شمر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى، وأوطانه التي سبي منها.
فحي على جنات عدن فإنها ... منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم
فأخذ في أهبة السفر، فانتقل إلى منزلة العزم وهو العقد الجازم على المسير، ومفارقة كل قاطع ومعوق، ومرافقة كل معين وموصل، وبحسب كمال انتباهه ويقظته يكون عزمه، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده) [مدارج السالكين، ابن القيم الجوزية، (1/142)].المصادر:
- في ظلال القرآن، سيد قطب.
- حياة النور، فريد مناع.
- مدارج السالكين، ابن القيم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى