إلى كل إنسان في موقع المسؤولية صغيرة أم كبيرة ( كلكم راعي )

الحمد
لله الذي قال في محكم تنزيله (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ
مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهما حالان يصيب الله بهما عباده أبتلائا ضمن موسوعة
الخير و الشر ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) و لم يكن الخير
الذي نحسبه على الدوام خير فقد أعطى تعالى لقمان (وَآتَيْنَاهُ مِنْ
الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي
الْقُوَّةِ) و كان من قومه من يقول (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو
حَظٍّ عَظِيمٍ) فلما بغى و أستكبر خسف الله به و بداره الأرض (فَخَسَفْنَا
بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ
الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ ) فلم ينفعه جاه و لا سلطان
كما أن أعظم الناس بلائا
الأنبياء و قد عانوا و هانوا على أقوامهم فهذا سيدنا شعيب يقول له قومه (
قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا
لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ
عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ) و ما عاناه سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم أعظم
فلم يزد عن أن قال : (اللهم اني أشكو اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس )
فلم يكن هذا لهم ذلا و ذاك لهم عزا
لكن العزيز هو من يفعل فعل الكريم إبن الكريم إبن الكريم قويا و ضعيفا
قويا عندما واجه إخوته بعد أن مكنه الله تعالى ( قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ
مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا
أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ
اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ
اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ(91) قَالَ لا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (92))
رغم جنايتهم عليه , و عندما رفع أبويه على العرش
قال ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ
ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ
عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا
تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ
أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ
الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ
إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (100))
قال بعض المفسرون إن يوسف مرت به محن ومصائب ومع ذلك
اقتصر على ذكر السجن فقط قال : وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن لم يذكر
مثلاً نجاته من البئر وهو أعظم من السجن , قالوا إنه ترك ذكر الجب تكرما
لئلا يذكر إخوته صنيعهم من باب الصلة والتواصل والتلطف والإحسان
فهذا
يوسف قادرا ملكا مسأولا لديه قوة و سلطان و بأس فما أدعوا كل مسؤل إلا أن
يحترس لنفسه فما مكنه الله فيه ليس إلا هبة له أختصه بها نعمة أو نقمة
يختبر فيه فيرى ما يصنع
و أدعوا كل مظلوم أن يفعل مثل يوسف وَقَالَ
الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى
رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
إلى أن قال
تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا
حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ (56) وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ )
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (
إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن
إبراهيم لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبت )
فيا
ذلكم الذي مكنه الله تمثل بقوله عز من قائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ)
و اتقوا يوما يمكن الله فيه من ظلمتم و لو عن غفلة فلا يكرمكم ما أكرم يوسف إخوته.
و قد قيل من لم يتعظ بالقرآن فليتّهم نفسه , و ما يذّكر إلا ألوا الألباب
و قد قال صلى الله عليه و سلم (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ
قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
وَعَامَّتِهِمْ) , ألا هل بلغت اللهم فاشهد.